10 - السياسة و الإقتصاد

 

يا عم مالناش دعوة بالسياسة ؛ شوف لنا موضوع غير ده 

للأسف الشديد لا يوجد وعى عام أو معرفة بمعنى السياسة و تأثيرها على الواقع اليومى للمواطن

القرار السياسي هو المحرك الرئيسى لإدارة إقتصاد الدولة ؛ و إدارة إقتصاد الدولة هو ما يجعل حياة المواطن حياة كريمة أو حياة بائسة

إن معرفة المواطنين بمبادئ السياسة و الإقتصاد عنصر أساسى و هام فى المشاركة الفعالة فى معرفة حقوقهم و العمل على المشاركة فى التنمية

نبدأ بمبادئ الإقتصاد ؛ و ببساطة شديدة فموازنة الدولة كميزانية البيت ؛ لديك دخل و لديك مصاريف ؛ إذا كان الدخل مساوى للمصاريف لا يوجد مدخرات للمستقبل أو للطوارئ ؛ و إذا قل الدخل عن المصاريف إضطر أهل البيت للإستدانة  و لا يوجد مشكلة فى الإستدانة الا فى عدم القدرة على سداد الدين ؛ و فى هذا الوضع يضطر أهل البيت لبيع أصولهم كبيع الذهب أو اللأدوات المنزلية أو الموبيليا أو العمل الإضافى لزيادة الدخل

بالطبع إقتصاد الدولة أكثر تعقيدا و يعتمد على محصلة و ليس مفردا و لكن يمكن تبسيطه بأن نتخيل أننا فى قرية فى العصور القديمة قبل إختراع النقود ؛  القرية بها عائلة تزرع و أخري تبني و تصنع ؛ كل عائلة تحتاج الأخرى فتعمل على تبادل الإنتاج فالأسرة المزارعة تنتج ما يكفى للعائلتين و أسرة البناء و الصناعة تبنى و تصنع ما يكفى للعائلتين فتصنع أدوات الزراعة وأدوات المنزل و تصنع الملابس و هكذا و طالما كان هناك إكتفاء ذاتى ووفرة للطوارئ  كان هناك سلام و إستقرار فى هذه القريه بين هاتين العائلتين

و لكن ماذا سيحدث إذا لم يكفى ما تنتجه العائلتين باحتياجاتهما؟

إذا كان كبار العائلتان عقلاء و مسالمين فبدلا من التشاحن و التقاتل ؛ سيضطرا الى إرسال بعضهم لقرية مجاورة لديها فائض و مقايضة بعض ما يملكونه مع أهل القرية المجاورة ؛ و لكن إذا لم يكن لديهم ما يقايضوه مع أهل القرية المجاورة ؟ قد يكون الحل أن القرية المجاورة تحتاج عمالة تعمل فى أرضهم الخصبة ؛ و يؤجرون على عملهم بتوفير إحتياج القرية الفقيرة ؛ أما إذا لم تكن قرية الوفرة لديها إحتياج للعمالة ؛ ستطمع فى أن تستولى على أراضى القرية الفقيرة و إستخدام أهلها كأيدى عاملة مقابل سداد إحتياجاتهم من الملبس و الغذاء ؛ و هذا ما كان يفعله أغنياء النظام القيصرى فى روسيا قبل الثورة الشيوعية و هذا ما ستضطر لقبوله القرية الفقيرة و الا فالموت جوعا

عندما إزدادعدد أهل القرى و إزدادت إحتياجاتهم و زادت المهن و الحرف و الصناعات و التخصص أصبح من الصعب تبادل السلع أو الخدمات و أصبح هناك حاجة للنقود لتسهيل عملية التبادل و الإدخار و كانت العملات من الذهب و الفضة و هى ذات قيمة كمعادن نادرة و نفيسه ؛ ثم تطور النظام الإقتصادى بإصدار العملات الورقية ؛ و كانت فى البداية تسمى صك بدل يتعهد البنك لحامله بإستبدال هذا الصك بقيمته من الذهب أو الفضة عند الحاجة ! و عامة فالعملات و الذهب و الفضة ليس لها قيمة إلا بقدرتها على الشراء أو إدخارها للمستقبل للحصول على السلع الضرورية للبقاء على قيد الحياة ؛ تخيل لو أن لديك خزانة من الذهب فى عصر المجاعة ؛ هل تستطيع إطعام نفسك و أهلك ذهباً ؟

عندما غزت أسبانيا قارة أمريكا الجنوبية و سرقوا ذهب الإنكا و إكتشفوا مناجم الفضة فى تشيلى ؛ و نقلوا حصيلة سرقاتهم لأوروبا حدث ثراء سريع بأسبانيا و قاموا بشراء سلع و منتجات عالية الجودة من جميع أسواق أوروبا وهذا أدى الى حدوث تضخم و فقد الذهب و الفضة قدرتهم  السابقة على الشراء لأن الأسواق خلت من السلع فزاد سعر السلع المتبقة بالأسواق بجنون ؛ و فقد الذهب و الفضة قدرتهم السابقة على الشراء ؛ هذا ما شرحه آدم سميث رائد علم الإقتصاد فى كتابه الشهير (ثراء الأمم) و هو أول من شرح قواعد العرض و الطلب

مما سبق نرى أن القرية أو الدولة إذا كانت قادرة على إنتاج إحتياجاتها و لديها إكتفاء ذاتى ؛ أصبحت دولة وفرة و رخاء و إذا لم تكن قادرة على إنتاج حاجتها إستدانت و أصبحت دولة فقر وندرة ؛ ترضخ لأوامر من تستدين منه ؛ و مما سبق نرى أيضاً أن العملة و الذهب و الفضة ليس لهم قيمة فى حد ذاتهم ؛  بل قيمتهم فى القدرة على الشراء و على توفير إحتياجات المواطنين

أحد الكوارث فى مصر أن الناس لا تدرك هذا ؛ و أن إدخار المال فى ذهب أو أراضى و عقارات لن يحل الأزمة بل يزيدها ؛ فبناء العقارات المغلقة كحفظ للمال يزيد الطلب على مواد البناء و على عمالة البناء ؛ فيحدث تضخم فى أسعار مواد البناء و ندرة فى العمالة ؛ و يتم تجميد المال مع تضخم و زيادة الأسعار ؛ أما من أراد بناء مصنع للإنتاج أو فندقاً لإستقدام السياحة و العملات الأجنبية ؛ فتعجزهم تكلفة البناء المضاعفة عن أتمام المشروع فنفقد مشروعات منتجة مقابل تجميد السيولة فى عقارات غير مستخدمة ؛ و عندما تحدث المجاعة ؛ فلن يأكل الشعب الذهب أوالعقارات المغلقة

أما السياسة فهى التى تحدد توجهات إقتصاد الدولة و تشجع على الإستثمار الإنتاجى و تضع ضوابط لمنع التضخم أو تجميد الأموال و تخلق بيئة مستقرة و نظم تقاضى و عدالة موثوق بها لفض النزاعات

جهل الأنظمة السياسية و فسادها و ضعف قدرتها على التخطيط برؤية و إستراتيجية واضحة و متكاملة و على إقرار نظام عدالة يثق فيها الجميع هى عامل أساسي فى ضعف إقتصاد الدولة ووجود هوة سحيقة بين الإنتاج و الإحتياج

الفساد و شبكة المصالح  الضيقة فى الأنظمة الإستبدادية ينتج عنها مجتمع الفقر و الندرة ؛ أما النظم الديموقراطية التى تقوم الحكومة بإدارة الدولة لمصلحة المواطن ؛ لأن المواطن هو السيد فى بلده فينتج عنها مجتمع الوفرة  

الدانمارك التى لا يزيد تعدادها عن 6 مليون مواطن و مساحة أرضها خمسة بالمائة من مساحة مصر ؛ مجمل الناتح  المحلى لديها يساوي مجمل الناتج المحلى لمصر التى تعداد سكانها ثمانية عشر ضعف الدانمارك و لكن لا يجرؤ رئيس أو رئيسة الوزراء التعالى على شعبها و الحديث اليهم من فوق الكتف أو من وراء الظهر ؛ ففى الدانمارك و السويد و النرويج ؛ الشعب هو السيد و من يتعالى على الشعب لا يجلس فى السلطة و لا ليوم واحد

لابد أن يدرك الشعب أن الحاكم القوى يستمد قوته من الشعب و من تأييد الشعب لسياساته و من رضا الشعب عن أداءه ؛ و لكن هل نحن شعب يقف صفا واحدا و يساعد بعضه بعضاً أم شعباً يأكل حقوق أخاه و أخته ؛ إبدأ بنفسك فلا يرجوا العدالة ظالمٌ من ظالم



Comments

Popular posts from this blog

2 - مفهوم سيادة المواطن

1- مفهوم الدولة أو الوطن

3 - أهمية طريقة إنتقال الحكم (تداول السلطة) فى استقرار الدولة و مستوى حضارتها